أبو محمد عبد المحسن بن غالب بن غلبون الصوري [339 -419 هـ ]
ترجمه الشيخ الحر في أمل الآمل, فقال :
الشيخ عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون الصوري العاملي الشامي . فاضل شاعر أديب ، عده ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت .
كما جعل له السيد الأمين ترجمة وافية في أعيان الشيعة, ومما قاله : يظهر لنا من تصفح ديوان الصوري غلبة الفقر عليه حتى اضطر إلى بيع عمامته
وهو يندب ويشكو مُرّ الشكوى بوار صناعته وكساد بضاعته . وكان للصوري أخ جميل الحال ولكنه شديد الجفاء له وقد هجاه مرات .
لم يخرج الصوري من الديار الشامية بل لم يخرج من صور وما إليها إلا نادراً , وذلك في أوائل شبابه إذ خرج إلى دمشق وفلسطين ,
هذا ويكثر ذكر صيدا وطبرية والرملة في شعره , والرملة يومئذ معسكر ينزله قادة الفاطميين ونوابهم , وقد اتصل بجماعة منهم ومدحهم .
ولم يستطع الخروج إلى مصر أيضا مع كثرة الدواعي التي توجب إلمامه بها, ومن جملتها أن مصر يومئذ بلد الفاطميين وهو يكثر من
مدحهم ويتعصب لهم وينصر دعوتهم ، ومن هذه الأسباب والدواعي أن مصر أيام الفاطميين اجتذبت إليها كثيراً من أعلام الفنون والآداب والفلسفة ,
والغالب أن الفاقة وسوء تأثيرها على مزاجه هي التي أقعدته عن الأسفار , وهو القائل :
حصلت بمصر همتي واستوطنت
|
|
وأفادني عدمي سواها موطنا
|
يقول : أن هواي جعل مصر موطناً لي , ولكن قلة ذات يدي أكرهتني على الإقامة في بلد آخر , يضاف إلى ما تقدم أن الصوري كان على جانب كبير
من رقة الشعور والعطف والاحساس , وهو يخشى أن تطوح أسفارُه وانتجاعُ الأقطار البعيدة بكرامته , فتراه يفضل الفقر والقلة على الغنى مع المهانة والذلة .
عجبت من نفسي و من أنها
تعتز بالفقر متى استشعرت
|
|
كأنها تكثر بالقلة
إن الغنى يؤخذ بالذلة
|
والخلاصة
كان الصوري قليل الاسفار حتى في إبان شبابه , أما بعد تقدمه في السن فقد لزم صور ، لزمها وهو في سن السبعين إلى أن توفي فيها سنة 419
وعمره ثمانون سنة أو أكثر , وفي باب إقامته في صور وعدم خروجه منها كتب إليه محمد بن سليمان النحوي الشاعر أبياتا جاء فيها :
أعبد المحسن الصوري لم قد
إذا استحلى أخوك قلاك ظلما
تحرك على أن تلقى كريما
فما كل البرية من تراه
|
|
جثمت جثوم منهاض كسير
فمثل أخيك معدوم النظير
تزول بقربة أحن الصدور
وما كل البلاد بلاد صور
|
فأجابه الصوري :
جزاك الله عن ذا النصح خيرا
و قد حدث لي السبعون حدا
و مذ صارت نفوس الناس حولي
|
|
و لكن جاء في الزمن الأخير
نهى عما أمرت من الأمور
قصارا عذت بالأمل القصير
|
ميله إلى الإيجاز في قصائده
الصوري شاعر مطبوع على الاجادة في أكثر أبواب الشعر غزلاً وتشبيباً ومديحاً ورثاءً ووصفاً وغير ذلك , وشعره من ذلك السهل الممتنع ,
يمتاز بجمال العبارة ومتانة الديباجة , مع ميلٍ ظاهرٍ إلى الإبداع والابتكار في المعاني . وليس في قصائده طول وهو يميل فيها إلى الإيجاز ,
فجل قصائده مقطوعات قصيرة أو شبيهة بالمقطوعات , وقد عيب عليه ذلك , ونسب إليه العجز والحصر . أما هو فقد اعتز وتباهى بمذهبه
هذا في الإيجاز مع البلاغة وحسن الدلالة على المعنى , وهو محق في ذلك إلى هذا ونحوه مما يدل على ميل هذا الشاعر إلى تهذيب أشعاره
وتنقيح آثاره , وقد أشار إلى هذا المعنى مراراً . وقال الصّفدي في الوافي بالوفيات : وكان ابن حيّوس يقول : إني ليعرض لي الشيء مما يشابه
شعر أبي تمّام والبحتري وغيرهما من المتقدّمين , ولا أقدر على أن أبلغ موازنة الصّوري لسهولة لفظه , وعذوبة معانيه وقصر أبياته .
صور المخطوط